قصة العقد المفقود، إن تاريخنا الإسلامي ملئ بالقصص والحكايات الحقيقة التي مر بها علماء الإسلام، ومن هذه القصص قصة العقد المفقود فهي قصة تحمل في طياتها أروع العبر والحكم، وهذه القصة تحدثتا عن أهم خلق من أخلاق المسلمين، إنها الأمانة، فإن حمل الأمانة كبير، وأن يتغلب الأنسان على نفسه وشهواته، ففي هذا المقال سوف نستعرض القصة الحقيقية لقصة العقد المفقود، ونقف على أهم الدروس المستفادة من هذه القصة، فتعالوا معنا لنبحر ونستمتع بأجمل القصص الإسلامية، قصة العقد المفقود.
محتويات
العقد المفقود
القاضي محمد بن عبد الباقي الأنصاري البزار، المشهور بقاضي المارستان، المتوفي عام 535 للهجرة، هو أحد أئمة الحديث الحفاظ، وقعت له قصة عجيبة فيها أيما عبرة، فقد حكى أنه كان بمكة في موسم حج، وكان مفلساً لا يملك شيئاً من حطام الدنيا، وقد اشتد به الجوع ذات يومٍ فخرج يبحث عن كسرة خبزٍ أو أي شيءٍ يسد به رمقه، فإذا به يجد صرةً من الحرير الأحمر ملقاة على الأرض، ففتحها فوجد بداخلها عقداً ثميناً من اللؤلؤ، تقدر قيمته بخمسين ألف دينار، فأخذه وقفل راجعاً، فبينا هو في طريقه، إذا برجلٍ ينشد العقد، وينادي في الناس؛ يقول أنه افتقد صرة من حرير، فمن وجدها فله خمسون ديناراً، فسأله وماذا يوجد بداخل الصرة، قال: بداخلها عقد لؤلؤٍ ثمين، فسأله عن علامة العقد، فلما أخبره بها دفع إليه الصرة على الفور، فأخرج له خمسين ديناراً وناولها له، فأبى أن يأخذها، قائلاً: ما ينبغي لي أن آخذ مقابلاً على لقطةٍ وجدتها وأعدتها لصاحبها، فإني ما أعدت لك هذا العقد طمعاً في الجائزة، بل طمعاً في رضا ربي، فرفض أخذ المال وهو حينها يتضور جوعاً ولا يجد كسرة خبز يابسة يسد بها رمقه، فدعي له ذلك الرجل بخير، ومضى لحال سبيله، مكث هذا القاضي المحدِّث بمكة أياماً ثم قرر أن يركب البحر لعله يصيب شيئاً يتموَّل به، فبينما هم في عرض البحر، إذ هبت عاصفة هوجاء، لم تزل تتلاعب بسفينتهم حتى حطمتها وأغرقتها، فتعلق القاضي بلوحٍ من حطام السفينة، وما زال متشبثاً بذلك اللوح والموج يتقاذفه على مدى أيام حتى ألقى به على الشاطئ، وقد بلغ به الجهد والإعياء مبلغاً عظيماً، فاستجمع قواه وجر نفسه حتى وصل إلى أقرب مسجد فارتمى في داخله، وهو لا يدري شيئاً عن هذه المنطقة ولا يعرف أحداً من أهلها، ثم لم يلبث أن دخل ذلك المسجد رجل، فلما رآه سأله عن حاله، فلما قص عليه قصته، أتى له بطعامٍ وشرابٍ وثوبٍ يستدفئ به، وقال له إنهم يبحثون عن رجلٍ يستأجرونه ليؤمهم في الصلاة في ذلك المسجد، فلما أخبره أنه يحفظ كتاب الله تعالى، سارعوا باستئجاره إماماً للمسجد، فلما علموا أنه يجيد الكتابة، استأجروه ليعلم لهم أبناءهم، قال فتموَّلت، وأصبحت بخير حال، فجاءوني يوماً وقالوا لي: إن لدينا فتاةً يتيمة نريد أن نزوِّجك بها، وألحُّوا عليَّ في ذلك فوافقت، فلمَّا أدخلوني عليها رأيت على صدرها عقداً من اللؤلؤ، فلم أتمالك نفسي من إمعان النظر في ذلك العقد، وأنا في حالٍ من الذهول والعجب، إذ أنه هو ذات العقد الذي وجدته بمكة، فبينما أنا أحملق في العقد، إذا بالفتاة تخرج باكيةً منتحبة، وهي تقول إنه لا يريد أن ينظر إلى وجهي، فهو لا يرفع بصره عن العقد الذي على صدري، فلما صليت بهم صلاة الفجر ذكروا لي ذلك، فأخبرتهم أنني قد وجدت هذا العقد قبل كذا وكذا ملقىً على الأرض في صرة من حرير ببيت الله الحرام، وقد أعدته لصاحبه، فكبَّروا جميعاً، حتى ارتجَّ المسجد بتكبيرهم، ثم أخبروني أن صاحب العقد هو والد هذه اليتيمة، وليس لديه سواها، وقد كان يؤمهم في الصلاة بهذا المسجد، وأنه توفي قبل مدة، ولكنه منذ أن عاد من الحج لم يفتأ يدعو بهذا الدعاء، ونحن نؤمِّن من خلفه: (اللهمَّ إني لن أجد أحداً مثل صاحب العقد، اللهم لقني به حتى أزوِّجه وحيدتي)، وها قد استجاب الله تعالى لدعائه فجاء بك وزوَّجك من ابنته، ولو بعد موته.
القاضي محمد بن عبد الباقي الأنصاري البزار
الشيخ الإمام العالم المتفنن، الفرضي العدل، مسند العصر القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بن عبد الله ابن شاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحد الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك بن عمرو بن القين، الخزرجي السلمي الأنصاري البغدادي، النصري من محلة النصرية الحنبلي البزاز المعروف بقاضي المرستان ، ويعرف أبوه بصهر هبة.
صفات القاضي محمد البزار
قال ابن الجوزي وكان حسن الصورة ، حلو المنطق ، مليح المعاشرة ، كان يصلي في جامع المنصور ، فيجيء في بعض الأيام ، فيقف وراء مجلسي وأنا أعظ ، فيسلم علي ، استملى عليه شيخنا ابن ناصر ، وقرأت عليه الكثير ، وكان ثقة فهما ، ثبتا حجة ، متفننا ، منفردا في الفرائض ، قال لي يوما : صليت الجمعة ، وجلست أنظر إلى الناس ، فما رأيت أحدا أود أن أكون مثله .
دروس وعبر
تحمل قصة العقد المفقود الكثير من دروس العبر والفوائد التي يستفيد منها الأنسان ومن هذه العبر:
- الوقوف عند حدود الله فهما كانت ظروفك صعبة، فقد أعاد القاضي محمد الأمانة لأصحابها رغم فقره.
- تخلى عن خيانة الأمانة يعوضك الله خير مما تتمناه.
- عدم انتظار الجزاء من الناس مقابل العمل الصالح، فالأجر من الله.
- لا يصيب الأنسان إلا ما كتب الله له، فهما ضاقت به الدنيا فالفرج من الله.
- حسن الظن بالله، فهما كانت الظروف التي مرت بك صعبة قد يكون فيها الخير العظيم.
- على المسلمين اختيار الصالح لإمامة المسلمين للصلاة.
- اختيار الرجل الصالح لتزويج الفتاة.
- استجابة الله لدعاء الصالحين.
- أن أقدار الله كلها خير، وأن الله يخبئ للإنسان ما هو خير له في دينه ودجنياه.
في نهاية مقالنا هذا، استعرضنا سويا قصة العقد المفقود، كما تعلمنا الدروس والعبر المستفادة من هذه القصة، وإننا ليسعدنا أن نرد على أسئلتكم واستفساراتكم ودمتم بخير.