خطبة قصيرة عن الصدق، إن الله بعث النبي صل الله عليه وسلم للأمة برسالة الإسلام العظيم، فقد عرف الناس على الله وطمس الله على يديه عبادة الأصنام، وقال صل الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فقد اتصفت العرب بصفات كثيرة منها الكرم، والشجاعة وغيرها، في هذا المقال سوف نتكلم عن خلق عظيم من أخلاق الاسلام وهو الصدق، وسوف نقوم بعرض عدة خطبة تتكلم عن الصدق والصادقون وأخبارهم، تحت عنوان خطبة قصيرة عن الصدق.
محتويات
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي أمر بالصدق في الأقوال والأفعال، وأثنى على الصـادقين بالفضل والكمال، وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من نطق وقال، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحبٍ وآل.
أما بعد:
فيا أيها الذين، آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، قد أمـر الله بالصدق في عدة آيات، وأثنى على الذين يرعون العهـد والأمانات، وأخبر بما لهم من الثواب الجسيم، فقال: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119]، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عنه الله صديقًا).
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق يهدي إلى البر، والبر اسم جامع لكل خير وطاعة وإحسان إلى الخلق، والصدق عنوان الإسلام وميزان الإيمان، وعلامة الكمال، وإن لصاحبه المقام الأعلى عند الملك المتعال، بالصدق يصل إلى منازل الأبرار، وبه تحصل النجاة من الآفات وعذاب القبر وعذاب النار، بالصدق يكون العبد معتبرًا عند الله وعند الخلق.
قال صلى الله عليه وسلم: (البيِّعان بالخيار فإن صدقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركـة بيعهما) ، فالبركة مقرونة بالصدق والبيان، والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان، والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك والعيان، لا تجد صادقًا إلا مرموقًا بين الناس بالمحبة والثناء والتعظيم، ولا كذابًا إلا ممقوتًا بهذا الخلق الأثيم، الصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق، والكاذب لا يثق به بعيد ولا قريب.
الصادق الأمين مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار، ومتى حصل منه كبوة أو عثرة، فصدقه يَقيه العثار، والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة، ولو فرض أحيانًا لم يحصل به الثقة والاستقرار، ما كان الصدق في لا زانه، ولا الكذب في شيء إلا شانه، الصدق طريق الإيمان، والكذب بريد النفاق.
اللهم تفضل علينا بالصدق في أقوالنا وأفعالنا وجميع أحوالنا، إنك جواد كريم، رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء خبراً، أحمده -سبحانه- وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته ستراً، وأفرغ علينا بفضله صبراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خُص بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا الله ما استحفظكم، وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقوفون، وعلى أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء:227].
عباد الله: مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما أن الكذب أساس النفاق، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يدفع الآخر.
والصدق أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخُلقية؛ لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع؛ فهو زينة الحديث، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة.
والصدق هو الطريق الأقوم, الذي به تميز أهل الإيمان عن أهل النفاق، وسكان الجنان من سكان النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وُضِع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أزاله وصرعه، وهو روح الأعمال ولبها.
ومن أجل ذلك أرشدنا ربنا -سبحانه- إلى التمسك بهذا الخُلق الطيب في كتابه الكريم، وحث على التزام الصدق رسوله العظيم -صلوات الله عليه وسلامه-، في نصوص أكثر من أن تُعد في القرآن والسنة، فقد أمر ربنا في كتابه الكريم في أكثر من آية بالصدق، ومدح الصادقين، ووعدهم بالخير الكبير في الدنيا والآخرة؛ لذلك مجدته الشريعة الإسلامية، وحرّضت عليه، قرآنًا وسنة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119] وهذا أمر بملازمة الصدق بعد الأمر بالتقوى.
وقد أمر الله -عزَّ وجلَّ- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق, فقال: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء: 80]. فهذه خمسة أشياء؛ مدخل الصدق, ومخرج الصدق, ولسان الصدق, وقدم الصدق, ومقعد الصدق. وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله، الموصل إلى الله، وهو ما كان بالله ولله، من الأقوال والأعمال والنيات، ومداخله -صلى الله عليه وسلم- ومخارجه كلها مداخل صدق ومخارج صدق، إذ هي لله وبالله وبأمره، ولابتغاء مرضاته.
وأخبر ربنا -سبحانه- عن خليله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين, فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء: 84]، وبشر ربنا عباده الصالحين بأن لهم عنده قدم صدق, فقال -سبحانه-: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس: 2]. وكذلك أخبر الله -سبحانه- أن للصالحين من عباده مقعد صدق عند ربهم، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: 54، 55] وهذا كله يشير إلى أهمية الصدق قولاً وعملاً وسلوكًا ومنهجًا في الحياة.
وقد أخبر ربنا -سبحانه- أنه لا ينفع العبد ولا ينجيه من عذابه يوم القيامة إلا الصدق, كما قال -سبحانه-: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
وأثنى الله -جل وعلا- على الصادقين بأنهم هم المتقون أصحاب الجنة؛ جزاء لهم على صدقهم، فقال: (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [البقرة: 177]، وقال -سبحانه-: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
أيها الإخوة: الصدق خلق عظيم من أخلاق الأنبياء, ومن أهم أخلاق المسلم وصفات الداعية إلى الله تعالى, وهو الأساس الذي قام عليه هذا الدين العظيم, وهو ما عرف به عليه -الصلاة والسلام- في مكة, فما كان يُعرف حينئذ إلا بالصادق الأمين, وهو أيضاً ما يُعرف به الأنبياء والمرسلون -عليهم السلام-, وقد أثنى الله تعالى على أنبيائه ووصفهم بالصدق فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) [مريم: 41]، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم: 54]، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) [مريم: 56].
كما أن الصدق علامة صادقة لأولياء الله المتقين، وحبل من حبال العصمة متين، وبرهان واضح لعباده الصالحين، وقد أضافه -سبحانه- إلى ذاته، فقال- جل ثناؤه وتقدست أسماؤه-: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [الأنعام: 146]، وقال -سبحانه- وتعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122]، وقال -تبارك اسمه-: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) [آل عمران: 95]. وقد أكثر ربنا في القرآن العظيم من المدح والثناء الجميل على الصادقين، حيث يقول –سبحانه وتعالى-: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه,)، ويقول -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
عباد الله: وقد قسم الله -سبحانه- الناس إلى صادق ومنافق, كما قال -سبحانه-: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 24] فالإيمان أساسه الصدق، والنفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.
وكذلك جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الصدق أعلى درجات البر ومفتاحها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله صِدِّيقًا…” [مسلم(2607)].
وفي صورة جميلة تبين لنا أهمية الصدق وكيف أنه يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، صح عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ“. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ، لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: “بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ” [مسلم(2831)].
والصدق يؤدي إلى الثقة والطمأنينة, والكذب يؤدي إلى الشك والريبة، فعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “دع ما يريبك إلي ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة” [الترمذي (2518) وصححه الألباني] فالصادق لا يقع في ريبة ويكون حاسمًا واثقًا من كلامه لا يخالف الصدق, ويحذر من الكذب وأحوال الكذابين.
أيها الإخوة: وأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول -صلى الله عليه وسلم- مع كمال الإخلاص للمرسل: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء: 69، 70]. والصدّيقية مرتبة عالية من مراتب الولاية والقرب من الله -سبحانه- وتعالى, والصدِّيق كثير الصدق، الذي لم يصدر منه الكذب أصلاً، الذي صدق بقوله واعتقاده وأعماله، والصديقون قوم دون الأنبياء في الفضيلة، ودرجتهم تلي درجة النبيين.
ورسول الإسلام محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلقّب بالصادق الأمين في مكّة كما هو معروف ومشهور، وصاحبه ورفيقه وأول خلفاءه على المسلمين من بعده هو أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-. قال جل وعلا: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر: 33].
أيها الإخوة: والصدق: هو مطابقة القول للواقع، وهو الوفاء لله بالعمل، والقول بالحق في مواطن الهلكة، ويطلق الصدق على معان كثيرة: منها الصدق في القول، فلا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان أشهر أنواع الصدق وأظهرها، وينبغي للعبد أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه، فإن كان قلبه منصرفاً عن الله، مشغولاً بالدنيا، فهو كاذب.
ومنها الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن فقد ذلك بطل صدق النية، ومنها الصدق في العزم والوفاء به كأن يقول: إن آتاني الله مالاً تصدقت به ونحوه، ومنها الصدق في الأعمال، وهو أن تستوي سريرته وعلانيته في جميع أعماله، ومنها الصدق في مقامات الدين كالصدق في الخوف والرجاء، والزهد والحب، والتوكل على الله ونحو ذلك.
وكل من عامل الله بالصدق استأنس به، واستوحش من الخلق، ومن علامات الصدق: كتمان الطاعات والمصائب جميعاً, وكراهة اطلاع الخلق على ذلك، ومقام الصديقين مقام رفيع، ومع علو هذا المقام فهو بفضل الله ميسور لمن أراده، وليس وقفاً على أفراد، ولا على طائفة، فكل من يحقق إيمانه بالله ورسله فله حظ في هذا المقام الرفيع: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) [الحديد: 19].
ولا ريب أن الصدق خصلة محمودة، وسجية مرغوبة، تألفها الفطر السوية، وتدعو إليها الشرائع السماوية, فهو فضيلة قلما تتوفر في إنسان إلا ورفعته إلى أوج السعادة النفسية, وذروة الكمال الذاتي, ومنتهى مراقي الإنسانية، وأن الناس جبلوا على الاقتداء والتأسي، فإذا رأوا شخصاً تقياً ورعاً صادقاً انتهجوا مناهجه واقتفوا أثره.
والصادق مطلوبه رضا ربه، وتنفيذ أوامره، وتتبع محابّه، فهو متقلب فيها يسير معها حيث سارت، فبينما هو في صلاة، إذ رأيته في ذكر، ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان إلى الخلق، ثم في أمر بالمعروف، ثم في نهي عن منكر، أو في عيادة مريض، أو تشييع جنازة أو نصر مظلوم, أو غير ذلك من القرب والطاعات وأعمال البر المختلفة.
والصدق سجية كريمة تدل على سلامة الفطرة للمتصف بها، وثقته بنفسه وبُعده عن التكلف والتصنع، وقد اعتبر الإسلام الصدق أساس كل الخير وأن الإسلام يؤكد على الصدق أكبر تأكيد ويحث الناس على ملازمته ولو كان مظنة لإضرار يسير. وأقل الصدق هو استواء السر والعلانية والصادق من صدق في اقواله والصدّيق من صدق في جميع اقواله وأفعاله وأحواله.
ومن درجات الصدق: أن لا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، ولا يلتفت إلى ترفيه الرُّخَص، فهو لا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضا محبوبه، ويقوم بعبوديته لا لعلة من علل الدنيا وشهواتها، ولا يرى نفسه إلا مقصراً قليل الزاد.
ومن درجات الصدق: الصدق في معرفة الصدق، فإن العبد إذا صدق الله رضي الله بعمله وحاله ويقينه؛ لأنه قد رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، فرضي الله به عبداً، ورضي بأقواله وأعماله القائمة على الإخلاص والمتابعة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 7 – 8].
وفي الصدق طمأنينة، ومنجاة في الدنيا والآخرة، فتحروا الصدق -يا عباد الله- وإن رأيتم أن فيه الهَلَكَة، فإن فيه النجاة.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين, وأن يحشرنا معهم وأن يعصمنا من الكذب والزلل. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد فالحمد لله العفوّ الغفور، والعليم بذات الصدور، أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالصّدق، واجتناب الكذب واجتناب قول الزور، وحثَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم الناس على الصدق، فالمؤمن يخشى الله، ويحرص على مرضاته، ويتقرّب إليه بالطاعات، واجتناب المُحرَّمات، ويصدق في قوله حتى ينال محبته، فالله يحب الصادقين، وصفة الصدق هي من صفات تقوى الله، ومخافته، والصادق بين الناس قريب إليهم، ومكانته بينهم كبيرة، فمحبة الله للصادقين تزرع محبة الناس لهم في القلوب، والكذب صفة المنافقين التي ينفر الناس منها، ويبتعدون عن الذين يتصفون بها لأنّها من الصفات المكروهة، ويكون صاحبها منبوذًا.
إنَّ الصدق من صفات الرّسول صلى الله عليه وسلم، فهو الصادق الأمين، واتصاف المسلم بهذه الصّفة يجعله من المحسنين، ومن أهل الثّقة، وممن يُسمع قولهم، ويُؤخذ به عند الحاجة مثل الشّهادة، ولمَّا كان الصدق منجاةً، ومخرجًا من الوقوع في المشكلات، وجب على المؤمن أن يحرص عليه، فالمؤمن الصادق مع ربه هو صادق مع نفسه، وصادق مع الناس، كما أنَّ الصادق بين الناس محبوب ويثق فيه من يعرفه، ويأخذ برأيه وأفكاره وشهادته، فهو لا يخون ولا يغدر ولا يؤذي غيره من الناس، وخير ما يُمدح به المرء هو الصدق في حديثه، فالصدق من مقوِّمات المجتمع الناجح والآمن، فالصادق يتثبَّت من الأخبار قبل نقلها، ويتحقق من صحة ما يقول قبل نشره، لأنَّ الكذب يهدم المجتمعات، وينشر الكره والضغائن بين الناس، كما يجب أن تُبنى تربية الأبناء على الصدق وتُؤسَّس عليه، فالصدق من مكارم الأخلاق، وهو خصلة حميدة، وعنوان الإسلام الصحيح، والهادي إلى خير الأعمال التي تسوق الفرد نحو النعيم المقيم في الجنة.
ولما كان الصدق هو رأس الفضائل وخير الصفات، فقد كان الكذب في رأس الرذائل وأبغض الصفات، قال عليه الصلاة والسلام: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) [صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث: صحيح]، فالإنسان الذي يعرف قيمته، وقدر نفسه يجب عليه أن يحرص على صفة الصدق، ويتجنب قول الزور، ويُزكّي نفسه بالصفات الحميدة التي يحبها الله عز وجل، وذلك لأنّها هي التي ترفع مكانته بين الناس، وتعزز من شأنه، فخير صفات رسول الله عليه الصلاة والسلام هي الصادق الأمين.
الخطبة الرابعة
الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله على نعمة الإسلام والحمد لله أن جعلنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ربه بمكارم الأخلاق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأخيار.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله في أقوالكم وأعمالكم حق التقوى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
أيها المسلمون: موضوعنا في هذا اليوم عن الصدق وثماره، الصدق يهدي إلى البر والصدق طريق موصل إلى الجنة.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».
الصدق من الخصال الحميدة التي تنجي صاحبها في الدنيا وترفع مكانته في الآخرة.
هذا كعب بن مالك رضي الله عنه ورفاقه، صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عدم مرافقته في غزوة تبوك ولم يختلقوا الأعذار كما فعل المنافقون لما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة.
يقول كعب بن مالك رضي الله عنه فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ: فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ».
لقد وفق الله كعب بن مالك وصاحبيه ــ رضي الله عنهم ــ حينما تميزوا من بين الآخرين بالصدق، ولم يختلقوا أعذارًا وإنما تحدثوا بالصدق فأعقبهم الله تعالى الفلاح كل الفلاح، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.
هنيئا لهم بالصدق الذي نالوا به التوبة من الله، يقول عَبْدُ اللَّهِ ابن الإمام أحمد بن حنبل: ((مَا رَأَيْت أَبِي يَبْكِي قَطُّ إلَّا فِي حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ))
لقد أمرنا الله بالتأسي بهم، في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة 119].
ما هو الصدق؟ الصدق هو مطابقة منطوق اللسان للحقيقة، وبمعناها الأعم مطابقة الظاهر للباطن.
فالصدق مع الله بإخلاص الأعمال كلها لله تعالى.
والصدق مع الناس أن لا يكذب المسلم في أقواله وأفعاله مع الآخرين.
والصدق مع النفس هو أن المسلم الصادق يعترف بعيوبه وأخطائه ويصححها.
المؤمن كامل الإيمان لا يكذب في حديثه، لأن الكذب من خصال المنافقين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”
المؤمن يصدق في بيعه وشرائه وفي كل معاملاته، يبارك الله له في كسبه ويزيده من خيراته.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، – أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)).
إن للصدق مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة بين مكارم الأخلاق، فالصدق مرتبط بالإيمان.
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُ قِيلَ للنبي صَلى الله عَلَيه وَسَلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لا.
ويكفي الصدق شرفاً وفضلاً أن مرتبة الصدِّيقية تأتي في المرتبة الثانية بعد النبوة، قال تعالى: ((وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) {وَالصِّدِّيقِينَ}هم: الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل، فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم، وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله، جعلنا الله وإياكم منهم.
أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم
الخطبة الخامسة
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على من جاء بالصدق وأمر به وحذر ونهى عن ضده صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحابته ومن صدقهم واتبع هداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون:
إن من ثمار الصدق التوفيقُ للخاتمة الحسنة، عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ.
فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟، قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ»، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: «إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ»، فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهُوَ هُوَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ»، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ»
الصادقون يجدون ثمرة صدقهم يوم القيامة إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر قال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة 119].
هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾.
في نهاية مقالنا هذا تكلما عن الصدق عبر عدة خطب دينية، موضحين اثر الصدق وأنواعه وأثره على الفرد والمجتمع، وإننا في موسوعة المحيط لنسعد بالرد على أسئلتكم واستفساراتكم ودمتم بخير.