يشهد عصرنا الحالي ثورة ضخمة في مجال الاتصالات الرقمية، وما وفرته هذه الاتصالات من عملية تسهيل و سرعة ودقة في عمليات التواصل، كما أنها سهلت الوصول لمصادر المعلومات، وكان لهذه الثورة الهائلة العديد من الآثار الإيجابية سواء فيما يتعلق بالفرد أو المجتمع، وهذا حين يتم استغلال وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة بصورة جيدة، أما فيما يتعلق بالآثار السلبية التي تخلفها فهذه الآثار تظهر مع التمرد على القواعد الأخلاقية والضوابط والمبادئ القانونية التي تعمل على تنظيم الحياة، فالإنسان عليه ان يتطور مع تطور الحياة، فقبل ذلك كان الآباء يعرفون علاقات أبنائهم بالآخرين، ولكن الآن أبنائهم يتواصلون مع أشخاص رقميين مجهولين، وهذا قد يشكل خطر كبير عليهم، واصبح في عصرنا هذا من الصعب جداً على الآباء مراقبة علاقات أبنائهم او مراقبة ما يشاهدونه من صفحات مختلفة، لهذه الأسباب استدعت الحاجة لوجود سياسة وقائية، تقي الجميع من الأخطار التي تبثها التكنولوجيا عليهم، وتحفزهم على الاستفادة منها، وهذه السياسة هي المواطنة الرقمية، والتي سنتعرف عليها في هذا المقال.
محتويات
تعريف المواطنة الرقمية
يمكن تعريف المواطنة الرقمية على أنها مجموعة من القواعد والمعايير والضوابط والأفكار والأعراف والمبادئ التي يتم اتباعها في الوصول لأمثل استخدام للتكنولوجيا، والتي تعبر هذه المبادئ من المبادئ الأساسية التي يحتاجها المواطنون على اختلاف أعمارهم حتى يستطيعوا المساهمة في سمو ورقي ورفعة الوطن، أي ان مفهوم المواطنة الرقمية يتلخص في توجيه المستخدمين نحو محاسن التقنيات الحديثة، وحمايتهم ضد أخطار التقنيات الحديثة، أو بصورة أوضح هي كيفية التعامل بذكاء مع التكنولوجيا، والمواطنة الرقمية لا تسعى لقمع حرية الآخرين، بل هي تضعهم على المسار الصحيح الذي يساعدهم ويوجههم ويحميهم من أي مخاطر تسببها التكنولوجيا، وخاصة اذا كان المستخدمين أطفال أو مراهقين، حيث تقوم المواطنة الرقمية على تشجيعهم ودفعهم نحو السلوكيات المرغوبة، وابعادهم عن كل سلوك منبوذ في أي تعاملات رقمية يمرون بها، وهذا كله لأجل تكوين مواطن رقمي وطنه هو الأساس ويبذل أي شيء ليحقق نفع وتقدم وطنه.
المواطنة الرقمية والتعليم
هناك علاقة كبيرة جداً تربط المواطنة الرقمية بمنظومة التعليم، حيث أن المواطنة الرقمية تعمل على احاطة المعلمين والتربويين واولياء الأمور بكل ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا بشكل مناسب، أي أن المواطنة الرقمية تساعدهم في فهم ما يحتاجه الطلبة من معرفة تخص الاستخدام المثالي للتكنولوجيا، أي أن المواطنة الرقمية باختصار تعتبر أكثر من وسيلة تعليمية، بل هي عملية اعداد وتجهيز للطلبة كي ينخرطوا بشكل كامل في مجتمعاتهم، ويكون لهم مشاركة فعالة تساعدهم على خدمة وطنهم وتلبية احتياجاته بشكل عام، وأيضاً تساهم في تكوين صورة واضحة عن كيفية المشاركة المثالية والفعالة في المجال الرقمي.
لماذا نحتاج المواطنة الرقمية
من الضروري جداً نشر ثقافة المواطنة الرقمية، وخاصة مع ازدياد أعداد مستخدمي التقنية الحديثة بشكل كبير، لهذا من الضروري أن تصبح هذه التقنية من الأولويات، وهذا لأن حياتنا تحولت بدرجة كبيرة من حياة عادية لحياة رقمية، لذلك يجب على الجميع تعزيز المواطنة الرقمية في ظل انتشار مجموعة من السلوكيات الخطيرة ومنها:
- الجرائم الالكترونية مثل انتشار المواقع الإباحية.
- جرائم التهديد والتحرش والابتزاز الالكتروني.
- جرائم التشهير الالكتروني وهي تشمل السب والشتم.
- انتحال الشخصية.
- الاحتيال المالي.
- اختراق المواقع وسرقة البيانات.
- التطرف والإرهاب.
- الاستغلال الجنسي للقاصرين.
نشر ثقافة المواطنة الرقمية
من الضروري جداً أن ينتشر مفهوم المواطنة الرقمية في كل المجتمع، سواء بين أفراد الاسرة أو في المدارس أو في صفوف الطلبة، أي يجب أن يكتمل هذا المفهوم لدى كل فرد من أفراد المجتمع، ل يجب أن يتحول هذا المفهوم إلى برامج ومشاريع في المدارس والجامعات، حتى نعل بشكل كبير على تعزيز الحماية في مجتمعنا ضد أي خطر قد يواجه المجتمع من اخطار التكنولوجيا، وأيضاً تحصيل الاستفادة التي تساهم بتنمية مجتمعاتنا وبناء الاقتصاد الرقمي فيها.
محاور المواطنة الرقمية
اتفقت الجمعية الدولية للتكنولوجيا في التعليم التي يطلق عليها ISTE، أن هناك تسعة محاور للمواطنة الرقمية، وقد تم تحديد هذه المحاور حتى يستطيع الجميع فهم معنى ومفهوم المواطنة الرقمية، وهذه المحاور كالتالي:
- الوصول الرقمي: والمقصود بالوصول الرقمي هو تكافؤ الفرص لجميع الطلبة بكل شيء يخص الوصول التكنولوجي، وهذا حتى تكون هذه التقنية متوفرة للجميع، وتساعدهم على التكيف مع المجتمع الرقمي.
- التجارة الرقمية: يجب أن يمتلك الطلبة وعي كافي بكل القضايا التي تواجههم أثناء التسوق من خلال الانترنت، لذا عليهم معرفة التجارة الرقمية والاستهلاك الذكي، حتى يستطيعوا مواجهة عمليات الاحتيال وسرقة الهوية وسرقة المعلومات الشخصية، وحينها يصبح الطلاب أكثر وعياً وادراكاُ عند التسوق .
- الاتصال الرقمي: يعتبر هو الوسيلة الحديثة التي يتفاعل فيها الناس مع بعضهم البعض، وهذا عن طريق البريد الالكتروني أو المراسلة الفورية أو الاتصال المرئي أو مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال الرقمي، لذلك يجب على الطلبة أن يكونوا مدركين بآداب السلوك الرقمي وما يتوجب عليهم فعله.
- الثقافة الرقمية: من اهم القضايا التي تهتم بها الثقافة الرقمية تعلم الأساسيات الرقمية، وتقييم مدى صدق ودقة المصادر الالكترونية، وتطوير أنماط التعلم الذي يتم عبر الشبكة الالكترونية.
- قواعد السلوك الرقمي: يتولى التربويون هذه المهمة في تناول القضايا التي تخص قواعد السلوك الرقمي، والتأكد من معرفة الجميع بهذه القواعد.
- القانون الرقمي: هو القانون الذي يحمي المستخدمين الرقميين، كما أن هذا القانون موجود فعلياً في المملكة العربية السعودية، وله اسم تم اطلاقه عليه وهو نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، أي أن انتهاك للقانون الرقمي يترتب عليه عقوبات حقيقية.
- الحقوق والمسؤوليات الرقمية: اذا وجد القانون عرفت الحقوق، فبعد تواجد القانون الرقمي تم وضع حقوق للمواطنين الرقميين مثل الخصوصية، وملكيتهم الفكرية، ومقابل وجود الحقوق توجد المسؤوليات، فالمسؤولية الواقعة على المواطن الرقمي هي استخدام التكنولوجيا بطريقة جيدة ومثالية.
- الصحة والرفاهية الرقمية: يجب على الطلبة ان يجمعوا بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على صحتهم، فالاستخدام السيئ للتكنولوجيا يسبب لهم مخاطر جسدية عديدة.
- الأمن الرقمي: هناك الكثير من الطرق التي يحمي فيها المستخدمين بياناتهم، فيمكنهم حمايتها باستخدام برامج الحماية من الفيروسات، وأنظمة الحماية الرقمية وغيرها الكثير من الطرق.
كيف نجعل الطلاب أكثر وعياً ومسؤولية عند استخدام التقنيات الرقمية
الهدف الأساسي لعملية التعليم هي مساعدة الطلاب على تكوين مستقبل زاهر لأنفسهم، والتكنولوجيا هي أساس هذا المستقبل، لذا يجب على الطلبة ان يكونوا مدركين بشكل كامل بالمعلومات والمعارف التي تساعدهم في الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا، وهذا يعني أن عصرنا الحديث يحتاج لمتعلمين لديهم عقلية إبداعية وناقدة تجعلهم قادرين على التعامل مع التقنيات الحديثة التي وًجدت في عصرنا الحالي، وستكون موجودة في المستقبل أيضاً، والأهم أننا في هذا التطور الهائل والعصر الجديد الذي يعتمد اعتماد كلي على العالم الرقمي، علينا أن نقوم بإعداد مجتمع رقمي يتجلى لديه قيمة المواطنة، وهذا كله نستطيع القيام به من خلال منظومة المناهج التي يتناولها الطلاب.
في النهاية، المواطنة الرقمية عرفنا أنها مجموعة القواعد والمبادئ والسلوكيات التي يتم الاعتماد عليها عند استخدام التكنولوجيا، حيث أن هدف المواطنة الرقمية هي اعداد مواطن رقمي يستخدم الانترنت والتكنولوجيا بشكل فعال ومنتظم، دون ان تسيطر عليه أخطار هذه التكنولوجيا، فينتفع بإيجابيات التكنولوجيا ويحارب مخاطرها.