موضوع حول الانية و الغيرية، الانية و الغيرية مسألة تتصل بالبعد العلائقي بين الإنسان وذاته وعلاقة الإنسان بالعالم والتاريخ وعالم الآخرين من حوله وسنطرح لكم في مقالنا هذا موضوع حول الانية و الغيرية وتفسير العديد من الفلاسفة لهذا الموضوع، حول حقيقة ذات الانسان وتحقق الوجود الانساني من خلال الوعي بوجوده عبر تحقق هذا الوجود واستمراريته.
محتويات
موضوع حول الانية و الغيرية
مسألة الإنية والغيرية هي مسألة البعد الإنساني بين الكثرة والوحدة، وهذه المسألة تتحرك في سياق مطلب الكونية، ذلك أن تحديد الإنسان يفترض إنتاج تعريف كوني يشارك فيه كل الأفراد، لكن هل أن هذه المشاركة تتم على نفس النحو؟ أم هل أن كلّ فرد يشارك في الكلّي بطريقة خصوصية؟ لنرى وجهات نظر الفلاسفة في هذه الموضوع وهي كالآتي :
- يقرّ أفلاطون أن كمال الوجود الإنساني أي إنية الإنسان تتحقق بالنفس وحدها ذلك أن أفلاطون يتبنى موقفا ثنائيا إذ يفسر الإنسان بإرجاعه إلى مبدأين مختلفين وهما:
- مبدأ روحاني هو النفس التي تتحدد تماما مثلما سيكون الأمرعند أرسطو باعتبارها مبدأ حركة.
- مبدأ مـــادي هو الجسد.
ويختزل الإنسان في بعده الواعي و يقر بأن النفس تتحكم كليا في الجسد،وخصوصية أفلاطون تتمثل في إقراره بأن النفس جوهر في حين يمثل الجسد عرض لها، لذلك يختزل أفلاطون الإنسان في بعده الواعي ويقصي الجسد من ماهية الإنسان، إذ أن الجسد بالنسبة إليه عاطل عطالة كاملة فالنفس هي التي تحرّكه وهو مصدر رذيلة ويمثل عائقا يعوق النفس في عملية صعودها نحو المثل.
- طرح أرسطو مشكلة علاقة النفس والجسد من خلال فهمه لعلاقة الصورة في المادة أو إن أردنا الدقة أكثر علاقة الصورة بالهيولى (الهيولى هي المادة اللامتشكلة)، فمن خلال هذا المنطلق فإن الإنسان سيعتبر إنسانا بصورته أي عبر نفسه، حيث ان النفس أو الروح هي ما تشكل حقيقة الإنسان، فكما تشكل الصورة المادة، تشكل النفس البشرية الجسد وبالتالي فإن أرسطو اختصر الإنسان في بعده الواعي وهذا ما ظهر بجلاء لنا في إقراره بأن الإنسان هو عبارة عن حيوان عاقل، وإن هذا المنظور الأرسطي الذي يفسر الإنسان على شاكلة فهمه يعود الى علاقة الصورة بالمادة جعله ينتهي إلى تحديد النفس كمبدأ حركة، و عن هذا التحديد تنتج نظرية أرسطو الشهيرة حول النفس الحيوانية.
- أما موقف ابن سينا حول مسألة الإنية يتلخص في برهانه عن الرجل المعلق في الفضاء إذ انه يفترض بأن الإنسان قد ولد دفعة واحدة فخلق وهو يهوي في الفضاء دون أن تكون لأعضائه القدرة على التقاطع، و لكنه مع ذلك يستطيع أن يثبت ذاته الموجودة، فمن هذا البرهان يستخلص العالم ابن سينا أن النفس هي عبارة عن الإنسان عند التحقيق و أن الجسد لا يشكل حداً في ماهية الإنسان، ذلك لأن ابن سينا تماما مثل أرسطو و أفلاطون يؤكد بأن النفس العاقلة هي التي تؤسس حقيقة الإنسان وماهيته، فالأنا يعمل على ادراك ذاته دون أن يكون هناك حاجة إلى أي سبب خارج عنه سواء كان هذا السبب هو الجسد أو أي شيء آخر خارجي.
- قام ديكارت لإثبات الذات موجودة بتجربة الشك، إذ أن ديكارت كان يشك في كل شيء ويجد فيه مجرد تردد وبهذا لا يترك الشك مجالاً لديه دون أن يطاله، إلا أن هذا الشك الذي طال كلّ الاشياء من حوله لا يستطيع أن يجاري الحالة التي يكون فيها بصدد الشك، فديكارت كان يستطيع أن يشك في كل الاشياء إلا في كونه يشك، لأن الشك في الشك لا يقوم إلا بتدعيم الشك عنده، و هكذا يأتي الشك على كل الاشياء إلا على اليقين الذي يحتويه، يقين الذات بذاتها موجودة كفكر وهو ما يسمى بيقين الكوجيتو، فخصوصية ديكارت يعبر عنها في كونه على خلاف أفلاطون وأرسطو يحدد النفس كفكر لا كمبدأ من الحركة، أي انه تماما مثل أرسطو وأفلاطون يعد أن النفس جوهر ولكنه على يختلف عن أرسطو وأفلاطون ويعتبر أيضا أن الجسد جوهر من جهة كونه مستقل بذاته، أي أن حركة الجسد لا تفسرها النفس الموجودة فيها ولكن هي عبارة عن حركة آلية تنبع من طبيعة الجسد نفسه كإمتداد مادي لذلك، إن أفلاطون، وأرسطو، وابن سينا وديكارت يثبتون إذا الإنية عبر إقصاء كل أشكال الغيرية سواء كانت داخلية أم خارجية، فليس للجسد ولا للعالم الخارجي دور في تحديد ماهية الإنسان، ومن هذا المنطلق تتحدد الذات مع نفسها باعتبارها واقعاً ميتافيزيقياً، فهي المعنى المؤسس للإنسانية والأنا ليس إلا عبارة عن الوعي بوحدة الذات التي تربط وتصل بين حالاتها المختلفة وأفعالها المتوالية عبر الزمان، فالذات عند هؤلاء الفلاسفة تم تحديدها في نهاية المطاف على انها الجوهر وهو التحديد الذي أكده أرسطو حيث اعتبر أن الذات كجوهر تعتمد عليها كل الخصائص والأعراض بما في ذلك الجسد.
- يعتبر موقف سبينوزا أول موقف فلسفي يعيد الاعتبار للجسد وذلك عبر تحديد الإنية ولكن أيضا موقفه يسعى إلى زج الإنسان في الطبيعة و في العالم من حوله وذلك عبر سلب الامتيازات الميتافيزيقية التي أضافها التصور الثنائي على الإنسان، ذلك أن سبينوزا كان على خلاف أرسطو و ديكارت يعمل على تحديد الجوهر ليس باعتباره المتصل بذاته ولكن باعتباره المسبب لذاته وهو ما يعني أنه لا يوجد إلا جوهر واحد في هذه الحياة و هو الله أو الطبيعة، و يعتبر أنّ هذا الجوهر يتكون من عدد غير متناهي من الصفات بحيث يعتبر أن كل صفة من هذه الصفات تتكون من عدد لا متناهي من الأحوال، وهذا يعني بأن كل ما يوجد هو إما ضرب من ضروب الإمتداد و إما ضرب من ضروب الفكر و إما ضرب من ضروب أحد الصفات الأخرى التي لا يعرفها الإنسان، أو علاقة ضريبة بين ضربين و هو ما يعبر عن حال الإنسان، و هذا يعني أن الوحدة بالنسبة لسبينوزا تعتبر في الجوهر هي الواحد في حين تمثل الصفات اللامتناهية الكثرة، و الضروب بما فيها الإنسان تتحدد كانفعال أي كرغبة في المحافظة على البقاء أو ما يسمى بـ (كوناتوس)، وإن الصراع الذي كان يتحدث عنه ديكارت في داخل الإنسان، بين عقله وانفعالاته، أصبح مع سبينوزا عبارة عن صراع خارج الإنسان، فهو عبارة عن صراع كل الضروب من أجل المحافظة على البقاء، فالجسد مع سبينوزا يتماهى مع النفس في مستوى الماهية بما أن النفس والجسد شيء واحد فتارة ننظر إليه من جهة صفة الفكر وتارة ننظر إليه من جهة صفة الإمتداد، وهو يتماهي معها في المستوى الانطولوجي بما أن كل من النفس والجسد يمثانل ضرباً أو حالاً، ويتماهى معها في مستوى القوة والفعل حيث أن فعل النفس هو أيضاً فعل الجسد وهو الفعل الذي يلجئ إلى المحافظة على البقاء، مع سبينوزا إذا توصلنا الى انه لا أنية دون الغيرية الداخلية والخارجية معاً، فالإنسان يتم تحديده بوعيه وجسده، ويتحدد كرغبة تتطور في هذا العالم أو الطبيعة.
- مارلو بونتي قد عمل على تعدي سبينوزا لثنائية النفس والجسد فيبقى رهين الإقرار بالحلولية لذلك تتقدم الفينومينولوجيا مع مارلوبونتي وهوسرل الى رد فعل ضد الثنائيات التي نتجت من الفكر الديكارتي بين الشيء والفكرة، الموضوع والذات والجسد والنفس، وردة الفعل هذه نتجت من العودة للوجود في العالم وذلك لاستكشاف ارتباط الجسد في مختلف سجلاته القصدية فبدأ بالإحساس ووصل إلى الحكم، فالجسد بالنسبة لمارلوبونتي لا يمكن اختصاره في كونه مجرّد تراكم للوظائف أو الميكانيزمات التي تعبر عنها الفيزيولوجيا، فالجسد هو عبارة عن أكثر من مجرّد العضوية الارتكاسية التي تمثله في الفيزيولوجيا، ذلك لأنني لا أستطيع أن أفهم علاقة النفس بالجسد في الإنسان، حيث كنا نعتبر الجسد عبارة عن موضوع لأن هذا الجسد الموضوع هو جسد الآخر كما نراه، إنه عبارة عن هذه الجثة الهامدة التي يشرحها الطلبة في الطب في غرف التشريح، في حين أن الجسد الخاص لا يتم ادراكه مثلما تدرك المواضيع الخارجية، بل أننا نعيش حضوره الحي من الداخل، و الجسد الذي نعيشه على هذا النحو يتقدّم بنا منذ الوهلة الأولى على اعتباره غير قابل للاخصار في الجسدية وحسب، إذ أن هناك تطابق نسبي بين حالاتنا المختلفة وضروب الوجود الجسدي، فنحن مع الفينومينولوجيا لم نعد أمام جسد ملطخ بنقص ما، إذ نكتشف في كل يوم أن الجسد هو عبارة عن ذات وأن الإنسان واحد و ما كان يسميه ديكارت جسداً ليس إلا الشخص الموضوع أي أن الإنسان كما يبدو في الفضاء وفي نظر الآخر، وما يسميه ديكارت نفساً هو عبارة عن الشخص الذات أي ما يمثله الإنسان بالنسبة للأنا، فهو ما يسميه مارلوبونتي بالجسد الذات، أي أنه قام بردّ الاعتبار للجسد مع مارلوبونتي مرفوقاً باستحضار العالم كآخر بحيث يمثل شرطاً لتحقيق الانية، لأن الوعي المتجسد محدود في علاقته القصدية بالعالم حيث يتم تحديد الوعي مع الفينومينولوجيا باعتباره فعل التمعين بما أن كل وعي هو وعي بشيء ما، و هكذا فإن الوعي ليس كما اعتقد ديكارت بأنه داخلية محضة وبسيطة، فالوعي ليس له محتويات بما أنه الفعل الذي نقصد به الموضوع، و بما أن هناك طرقاً مختلفة للتوجه نحو الموضوع فإنه يجب علينا أن نتحدث مع الفينومينولوجيا على أصناف الوعي والتي هي : وعي مدرك، ووعي راغب، ووعي متخيل، ووعي مندهش، و العالم من هذا المنظور هو عبارة عن مجموع من المعاني، وبالتالي لا يمكننا أن نوجد وعياً نظرياً بالذات على الاطلاق، حيث أن علاقة الوعي بالعالم هي عبارة عن علاقة ديناميكية بحيث لا نستطيع أن نفهم العالم من حولنا دون الوعي و لا نستطيع أن نفهم الوعي دون العالم، بحيث لا يوجد عالم إلا بالنسبة للوعي ولا يوجد وعي إذا لم يكن هناك عالم.
موضوع حول الانية و الغيرية تم التوضيح والتفصيل بشكل واسع للطلاب حول الانية والغيرية وثنائية الانسان من حيث الوعي والفكر وما يتعلق بالجسد والعالم من حوله فالعلاقة بين النية والغيرية علاقة مثيرة للجدل داخل تفكير الانسان تحتاج منه الفكير الكثير وتطرح التساؤلات عن الذات بشكل أعمق.