الجبل الذي رست عليه سفينة نوح، من هو سيدنا نوح عليه السلام هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينان أو قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، وهو أحد الأنبياء الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى من عباده لإكمال الديانات الإبراهيمية، ودعا عليه السلام قومه تسعمئة وخمسين عاماً دون أن يمل أو يكل، كما أنه يعد شخصية تاريخية هو الحفيد التاسع لسيدنا آدم عليه السلام، وهو أبو البشر بعد أن أباد الله سبحانه وتعالى البشرية وحماه هو ومن آمن بالله وصدقه، فما هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح ؟
محتويات
رست عليه سفينة نوح جبل
قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة هود :”وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وغِيضَ الماءُ وقُضي الأمرُ واستَوتْ على الجُودِيّ، وقيلَ بُعداً للقوم الظالمين”، وهذا نص صريح على أن الجبل الذي رست عليه سفينة سيدنا نوح ونجا من خلالها بإذن الله من الغرق هو ومن معه من المؤمنين جبل جودي والتي ما زالت السفينة باقية عليه حتى يتخذ الأمم عبرة لما يفعله الله بالمتجبرين والظالمين، ويوجد في بلاد تركيا في منطقة شرناق.
قصة سيدنا نوح عليه السلام كاملة بالعربية
مات سيدنا اَدم عليه السلام ومرت سنوات عديدة، تغيرت فيها الحياة، بدأ الإنسان شيئا فشيئا ينسى الله وينسى أن الشيطان له عدو مبين، وعاش قبل أن يولد سيدنا نوح خمسة رجال صالحين هم :ود، سواع، يغوث، ونسر، ثم ماتوا فصنع لهم الناس تماثيل، ليتذكروهم، ومات الذين نحتوا التماثيل، وجاء أبنائهم ومن بعدهم أنباء الأنباء الذين لم يعرفوا لماذا صنعت هذه التماثيل، فبدأ إبليس اللعين يمارس دوره مرة أخرى فخدع الناس وأقنعهم أن هذه التماثيل اَلهة، وبدأ الشرك يظهر على الأرض، وشاع الكفر بين الناس، وعبدوا هذه الأصنام والتماثيل من دون الله.
جهود نوح عليه السلام الدعوية من أجل هداية قومه
نشأ سيدنا نوح عليه السلام في بيت صالح، تحت رعاية أب رشيد حيث قال له والده يوماً :قد علمت أنه لم يبقَ في هذا الموضع غيرنا فلا تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة، وتربى سيدنا نوح عليه السلام على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة :”ونوحا هدينا من قبل”، وشهد له المنصفين من قومه بالصدق حيث قالوا :ما نعرف نوحاً منذ نشأ إلا صادقاً.
فأرسل الله سيدنا نوح عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الله الواحد، وترك عبادة الأصنام كان سيدنا نوح إنساناً عظيماً، لم يكن حاكماً أو رئيساً أو ملكاً غنياً، وإنما كان نقى القلب، طاهر الضمير، كثير الذكر والشكر لله :”إنه كان عبداً شكوراً”.
بدأ سيدنا نوح يدعو قومه إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام وقال لهم :”يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”، آمن بدعوة نوح عليه السلام بعض الناس من قومه، لكنهم كانوا أفقر الناس وأضعفهم، أما الأغنياء والأقوياء قالوا له :”مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ”، وقالوا له :إن أردت أن نؤمن بك وبدعوتك فعليك أن تطرد هؤلاء الفقراء الذين اَمنوا بك.
علم نوح عليه السلام أن الكفار يعاندون ويكابرون، فكان ليناً في رده وقال لهم :لا أستطيع أن أطرد الذين اَمنوا لأنهم ضيوف الله، وقد شاء الله لهم أن يدخلهم في رحمته، واستمرت المعركة بين نوح عليه السلام والكافرين، الذين قالوا له بعد أن خاطبهم بالحكمة والمنطق :”قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، فقال عليه السلام :”قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ”، وظل سيدنا نوح يدعو قومه إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام ولم ييأس، ومرت سنوات وسيدنا نوح يدعوهم سراً وجهراً، ويضرب لهم الأمثال لكنهم جعلوا أصابعهم في اَذانهم واستكبروا عن سماع الحق، واستمر سيدنا نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين، فكان فيها مثالاً للصبر والثبات، على العكس من ذلك كان قومه مثالاً في الإنكار والعناد.
أساليب سيدنا نوح في دعوته
لقد بلغ نوح عليه السلام ما أمره به الله عز وجل على أحسن ما يكون البلاغ، وهنا يتضح أن نوحاً لم يدخر وسعاً في نصح قومه وتبليغ رسالة ربه كما أخبر عنه القراَن “رسول أمين”، ولقد تعددت أساليب دعوته مع قومه، فكان يسلك معهم أسلوب الترغيب، كأن يرغب قومه في عبادة الله وتقواه، والسير على منهاجه، في غفر الله لهم ذنوبهم, وتزيد البركة في أموالهم وذريتهم :”أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ, يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”، وقوله :”اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا”.
وكان عليه السلام يخوفهم من الكفر، فيستخدم أسلوب الترهيب تارة أخرى، ويخبرهم أن الله سبحانه سيعذب الكافرين عذاباً أليما في الدنيا والاَخرة :”وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ”، ويقول لهم :”مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا”.
وكان يستخدم مع قومه أسلوب الحوار ودل على ذلك قول الحق سبحانه :”قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، ُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ، أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.
وعندما تفشل محاولاته ويستمر القوم على كفرهم، كان عليه السلام يستخدم أسلوب التأمل في الكون من حولهم طمعاً في إقناعهم بأنه “لا إله إلا الله”، يقول عز من قائل :”أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا, وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا، وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا، لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا”.
لقد كان سيدنا نوح عليه السلام في مقدمة الرسل الذين تمثل الصبر في دعوتهم، فقد كان عليه السلام في دعوة قومه هادئ النفس، طويل الصبر، واضح البيان، فعندما اتهمه قومه بالضلال نفى عن نفسه الضلال في أدب ورقة، قائلا لهم :يا قوم إن الرسالة التى أدعوكم إليها ليست من عندي، إنما أنا ناصح أمين، لقد أتاني الله علماً من عنده لم تصلوا إليه، ذلك الرد إنما يعبر عن كمال صبره، ورجاحة عقله.
ولما اتهمه قومه بالكذب رد عليهم رداً جمع فيه بين الحكمة والأدب فقال لهم :إن كنتم صادقين في أنني اختلفت ما أبلغكم به، وجئت به من قبل نفسي فعلي عقاب جرمي، وإن كنت صادقاً وكذبتموني فعليكم عقاب التكذيب، وذلك ما جاء في كتاب الله :” قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ”، ولما اتهموه بالجنون لم يثور, لم يغضب ويتركهم، إنما تقبل ذلك بصدر رحب وسعة أفق، ولجأ إلى ربه قائلاً :”رب انصرني بما كذبون”، هذا هو نوح الصابر على تكذيب قومه ومجادلتهم له، كان يقابل السيئة بالحسنة، والغضب بالرفق، فصبره عليه السلام كان أشد وأقوى من عنادهم.
خيانة زوجة سيدنا نوح
وكان صبره العظيم على أهل بيته، فما أصعبها على الإنسان أن يحارب أهل بيته، ويرى بعينيه خيانتهم، قال تعالى :”ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما”، وتتمثل خيانة زوجة نوح في أنها كانت تخبر القوم بأن نوحاً مجنون، وكانت تطلع على سر نوح، وكلما أمن معه أحد أخبرت الكافرين به، إنها أعظم خيانة وموقف صعب على أي بشر، لكن سيدنا نوح عليه السلام قهر خيانة زوجته بنفس قوية وعزيمة ثابتة كالجبال أو أشد ومضى في دعوته.
وعلى الرغم من إنكار قومه لدعوته ومحاربتهم له ولأتباعه طيلة هذه المدة إلا أنه عليه السلام كان مثالاً حياً خالداً للصبر والتحمل، وأسوة حسنة لكل من يحمل أمانة الدعوة إلى الله، حيث كان عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكفار كل يوم، فأوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد اَمن، فدعا نوح ربه :”وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا, ِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا”.
صنع السفينة ونزول الطوفان على الكافرين
فاستجاب الله لدعوته وأوحى إليه أن يصنع منها سفينة كبيرة، وبدأ نوح عليه السلام يزرع الأشجار ليصنع منها السفينة وانتظر سنوات حتى كبر الشجر، وبدأ يصنع السفينة وكانت السفينة عظيمة الطول والارتفاع، مكونة من ثلاثة طوابق، وكان نوح عليه السلام يصنع السفينة طبعاً لتوجيهات الحق سبحانه، وكلما راَه الكفار سخروا منه وقالوا له :أين الماء الذى ستجري فيه سفينتك؟ أم أنك ستسير بها في الصحراء؟، حيث كانوا يسخرون منه، وبعد أن كان نبياً أصبح نجاراً وقالوا :لو كان نبياً حقاً ما لجأ إلى هذا وقال اَخرون :ما فائدة السفينة ؟ ولا يوجد بحر تسير فيه؟، إنهم لا يعرفون أن الماء هو الذي سيأتي إليها وهو الذي سيرفعها وأنهم مغرقون، لكن سيدنا نوح كان واثقاً من ربه، وكان يقول له :”فسوف تعلمون”.
وتمت صناعة السفينة على ثلاثة مراحل :
- المرحلة الأولى :عندما أمر الحق سبحانه نبيه بصنع السفينة.
- المرحلة الثانية :تنفيذ نوح لأمر الله بأنه بدأ في صناعة السفينة التي استغرقت سنوات.
- المرحلة الثالثة :بعد أن أتم صنع السفينة انتظر الطوفان أن يأتي.
إذاً فهي عدة مراحل استمرت سنوات طويلة، تحمل فيها سيدنا نوح بصبر جميل سخرية الكفار، ثم جاء اليوم الموعود الذى سيتم فيه أمر الله، حمل نوح عليه السلام في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين، وصعد نوح والذين اَمنوا معه إلى السفينة وبدأ الطوفان، فانفجرت المياه من باطن الأرض، وانهمرت الأمطار :”فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ, فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ”، فنظر سيدنا نوح من السفينة فرأى ابنه يجري، فقال له :”يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ”، فرفض ابنه وقال :”سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء”، فرد سيدنا نوح قائلاً :” لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ”، وارتفعت المياه شيئاً فشياً، وغرق كل من على الأرض :”فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ”.
ولنقف هنا قليلًا، ونتأمل سوياً معجزة السفينة التي صنعها نوح بوحي من ربه، فهي لم تكن سفينة على شكل ألواح خشب يركب عليها الناس، بل كانت مصنوعة بأحدث نظام لصناعة السفن لذلك فإنهم ركبوا فيها لا عليها :” وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا”، ولم تكن من طابق واحد، ولكن من ثلاث طوابق، فهي مصنوعة لتنجي المؤمنين وتنجي معهم من كل أجناس الحياة على الأرض زوجين اثنين.
وقول الحق سبحانه :”وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ”، أليس هذا يدلنا على أنها مسيرة بقدرة الله عز وجل لذلك فإن الأمواج التي وصفها الله بأنها كالجبال لا بد وأن تغرق أضخم السفن وأقوها لكنها لم تفعل شيئاً لسفينة نوح، بل كانت تجري بسرعة عالية بين أمواج الجبال، وهي معجزة أراد بها الحق أن يؤيد نبيه.
صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف وإلى الأرض أن تبتلع الماء، وذلك ما ورد في كتاب الله :”وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، فتذكر نوح ولده فدعا ربه :”وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ”، فقال الله :”قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”.
وهكذا أخبر الله نوحاً أن ابنه ليس من أهله لأنه لم يؤمن به، وأن ابن النبي هو ابنه في العقيدة، فاستغفر نوح ربه :”قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ”، وهبط نوح ومن معه من السفينة بعد أن أطلق سراح الحيوانات والطيور والوحوش، وسجد نوح شكراً لله ووضع جبهته على الأرض المبللة من أثر الطوفان، ثم نهض ليبني معبداً لله وعادت الحياة للأرض من جديد :”قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ “.
ولم يذكر لنا القراَن شيئاً بعد حدوث الطوفان وماذا حدث بين نوح وقومه، لكن كل ما نستطيع أن نؤكده أن نوحاً عليه السلام قبل أن يموت أوصى أبناءه وأحفاده بعبادة الله الواحد، وسمى الله نوحاً عبداً شكوراً لأنه كان إذا أصبح أو أمس يقول :”اللهم إني أشهدك أن ما أصبح أو أمسى بي من نعمة في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر بها على حتى ترضى وبعد الرضا”.
الجبل الذي رست عليه سفينة نوح، إن سيدنا نوح هو أول رسل الله كما أخبرنا بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حديث “…..فيأتون نوحاً فيقولون :يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض”، وهو عليه السلام أطول الرسل عمراً ودعوة، كما أخبرنا الحق إذ يقول “فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين”، وهو ثاني المصطفين من عباد الله “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ”، وصاحب الهدى قال تعالى :”ونوحاً هدينا من قبل” وهو عليه السلام أهل الإحسان والإيمان يقول الحق :”سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ”، حيث نجاه الله ومن معه من المؤمنين بسفينته التي رست بإذن الله على جبل جودي.