كيف فؤادك الصائم، في الصيام روحانية لا يدرها أي شخص يصوم عن الطعام والشراب فقط، لأن فيها حنين للنعيم وللجنان، فلقد تورمت أقدام المجتهدين في قيام الليل من أجل هذا الغذاء الروحي، وبذلوا لها كل غالي ونفيس، فالروحانية في الصيام لا يعرفها أي عاشق أو متصوف بل يعرفها المحبون والمخلصون في العبادات، فالروحانية في الصيام هي خالصة من الشهوة وأسر الهوى وحيل الشيطان، فالصيام يجعل روح الصائم تعيش في الجنة على هذه الأرض، لأن روحه تحلق عالياً في رحاب الإيمانيات على خلاف الجسد الذي يبقى في الأرض ويدفن في الأرض، كيف فؤادك الصائم.
محتويات
كيف فؤادك الصائم
علا خلاف الجسد الذي يحتاج في الصيام إلى الغذاء من طعام وشراب فإن الروح لها غذاؤها الخاص بها، فلروح الصائم غذاء تصلح به الروح وتستقيم به الأمم، وتنصلح به الأحوال، والدليل على أن الروح لها غذاء هو ما كان يحدث مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثناء صيامه، فهو كان يواصل صيام النهار بالليل، ولكنه قد نهى الصحابة رضوان الله عليهم عن الإتيان بنفس الشيء، لأن لا طاقة لهم في هذا الصيام، وقد اختص الله عز وجل به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان الله سبحانه وتعالى يطعم النبي ويسقيه على خلاف الصحابة الذين هم من سائر البشر وليس لهم كرامات ككرامات الرسل، فكان الرسول عليه السلام يواصل الصيام ويبقى مع جبريل عليه السلام يتدارسون القرآن الكريم ويتعلمه من جبريل ويتفقه فيه، وكان يفعل كل هذا وهو ممسك عن الشراب والطعام، لأن روحه كانت تتغذى بتغذية تقويه عبر الطاعات التي يؤديها لله عز وجل، فبينما كان جسده محروم من الطعام والشراب إلا أن روحه تتغذى بالطاعات، ولقد فعل هذا الأمر عدد من الصحابة رضوان الله عليهم كأمثال الزبير بن العوام الذي واصل الصيام لخمسة عشر يوماً، وكان يضرب المثل في قيام الليل وأداء الطاعات والجهاد في سبيل الله وهو على هذا الحال، حيث أحدث له الصيام المتواصل غذاء لروحه يغنيه عن غذاء البدن.
- من الأسلوب المكي الجميل في التخاطب أثناء الصيام في نهار رمضان أن يسأل الشخص الآخر (كيف فؤادك الصائم ؟)، ونلاحظ هنا بأنه لم يسأله عن الصوم التقليدي للجسد، فيقوم الشخص الآخر بالرد عليه بقوله: ( على النعيم دائم )، وهو رد بأسلوب جميل وأدبي واجتماعي راقي في التخاطب مع الآخرين، وهو يليق بأهل مكة الكرام حفظهم الله عز وجل.