هل المنتحر يخلد في النار، الانتحار يندرج تحت مفهوم قتل النفس، وقتل النفس من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً”، كثيرون من ضُعفاء الإيمان في بعض الأحيان عندما يضيق بهم الحال وتكثر عليهم ضغوطات الحياة فيذهبون للانتحار هرباً من الواقع والحياة الصعبة، ظناً منهم أنهم بهذا سوف ينتهي الألم ويرتاحون من أعباء الحياة، ومن خلال مقالنا لهذا اليوم سوف نعرف جيداً هل المنتحر يخلد في النار.
محتويات
المنتحر ومسألة خلوده في النار
تباينت أراء العلماء حول مسألة الانتحار، وخلود المنتحر في النار؛ وسبب الإختلاف هو حديث رواه أبو هريره _ رضي الله عنه _ عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ “مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا”؛ فكان هذا الحديث سبب التباين والاختلاف فانقمست أرائهم لقسمين:
- القول الأول: من مات منتحراً منكراً لحرمه الانتحار، فهو كافر وخالداً في النار لأنه بذلك استحل ما حرم الله سبحانه وتعالى.
- القول الثاني: من خلال حديث أبو هريرة قالو أن كلمة خلود تعنى المكوث الطويل في اللغة العربية، فمن هذا قالوا أن ليس كل منتحراً خالداً في النار، ومع ذلك وُرِد عن النبي أنه لم يصلي على رجل قتل نفسه.
ومن الجدير بالذكر أن رغم إختلاف العلماء حول خلود المنتحر في النار، أن الانتحار مُحرم وجريمة كبيرة.
هل يغفر الله للمنتحر
حال المنتحر كجال جميع أصحاب الكبائر ممن ماتو موحدين لله، فهو تحت معية ومشيئة الله؛ إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه، وهذه أمور غيبيه لا يعلمها إلا الله، وفي هذا دليل لما رواه مسلم عن جابر في صحيحه: ” أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ: حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم لِلَّذِي ذَخَرَ اللهُ لِلأَنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم إِلَى الْمَدِينَةِ, هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو, وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ, فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ, فَمَرِضَ, فَجَزِعَ, فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ, فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ, فَشَخَبَتْ يَدَاهُ؛ حَتَّى مَاتَ, فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ, فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ, وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ, فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ, فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ”
فعلى أهل المنتحر الدعاء له والاستغفار له، وإن كان له من أعمال صالحة فلا يضيع الله أعمال أحد ويجزي الله الصالحين فقد قال الله تعالى: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”.
وفي الختام تعرفنا على هل المنتحر يخلد في النار، وذكرنا أراء الفقهاء حول هذه المسألة، وما كان للمنتحر من غفران.