هل يجوز الترحم على غير المسلم، سؤال يدور في أذهان كثير من المسلمين، وهذا تبعاً لانتشار الأديان في اوطاننا العربية، وحتى المسلمين المغتربين خارج بلادهم يمر في حياتهم الكثير من الأشخاص الغير مسلمين، كما يمكن أن يكونوا أصدقاء لهم، وحين يموت احد هؤلاء الأشخاص سواء كنا نعرفهم عن قرب أو سمعنا بهم نجد ان القلب يحزن على فراقهم وفقدهم على الرغم من كونهم من غير ديانتنا ولا نعرف معظمهم عن قرب، ولكن المسلم فطرته تتحكم به في كثير من الأحيان، ومن المعروف أن فطرة المسلمين تميل في كثير من الآونة للرقة، حيث يحزن المسلم سماع أخبار الوفاة التي تحلق في الكون على اتساعه لا تترك صغيراً أو كبيراً من وطأته، وعلى الرغم من الفطرة الاسلامية التي تحنو في كثير من الأحيان على كل الشارعين بنا، سواء من ديننا أو غير ديننا، إلا أن المسلم يجب عليه أن يستدرك الحكم الشرعي الصحيح في كل أمر يتعلق بالحزن الذي يصاحب اخبار موت الغير مسلمين او الترحم عليهم، حتى لا يخالف المسلمين الشريعة الاسلامية حتى وان كانت هذه المخالفة أمر شعوري طرأ على قلوبهم وتبدد، وفيما يلي نستوضح هل يجوز الترحم على غير المسلم.
محتويات
هل يجوز الترحم على غير المسلم لابن باز
هل يجوز الترحم على غير المسلم، قبل التطرق للحكم في هذا الأمر، يجب ان يتضح لدينا ما يعنيه الترحم، حيث يحمل في معناه المشتق من الرحمة طلب رحمة الله في الميت، وتنقسم الرحمة التي يهبها الله للناس إلى رحمتين، رحمة في الدنيا وهي الرحمة التي تشتمل على سعة الرزق وأسباب الحياة، وهذه تتعلق بالمسلمين والمشركين، حيث أن رحمة الله تسع كل شيء في هذا الكون، اما رحمة الله الحقيقية فهي الرحمة التي تكون للمؤمنين في الآخرة، وهذه الرحمة تكون من فضل الله على المؤمنين، ورحمته بهم بأن يثيبهم على صبرهم وطاعتهم له، وما جاء في حكم الترحم على غير المسلم لابن باز أن هذا الأمر لا يجوز بتاتاً، وهنا نوضح سبب عدم جواز الترحم على غير المسلم على حد قول ابن باز:
- هل يجوز الترحم على غير المسلم ( ابن باز ):
- الترحم على غير المسلم غير جائز شرعاً، كما لا يجوز الاستغفار أو الدعاء له.
- الدليل:
- قوله تعالى: “مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ”.
هل يجوز الترحم على غير المسلم السيستاني
لم يختلف قول السيستاني عن قول الشيخ ابن باز، حيث أكد على عدم جواز الترحم على غير المسلم، سواء كان يهودياً أو نصرانياً، وهذا لكون الرحمة تشمل أن يغفر الله الذنوب ويخرجه من النار ويدخله الجنة، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون لأن غير المسلم مات على كفره، ولم يفعل في حياته الأمور التي يدخل المسلمون تبعاً لها الجنة، ولهذا فإن الترحم على غير المسلم لا يجوز، ولكن يجوز المشاركة في تشييعه ومن الأفضل أن يمشي المسلم خلف الجنازة في تشييع غير المسلم، كما يجب أن يكون غير المسلم معروف عنه انه غير معادي للإسلام ولا المسلمين.
هل يجوز الترحم على غير المسلم دار الإفتاء
هناك اجماع بين الفقهاء واهل العلم والدين بأن الترحم على غير المسلم أمر غير جائز شرعاً، وغير المسلم يشمل “النصاري واليهودي والأديان الأخرى”، وكان من السباقين لعدم اجازة الترحم على غير المسلم “الأئمة الأربعة”، الذين اتفقوا جميعهم على كون الترحم على غير المسلم لا يجوز أبداً، واستدلوا على هذا القول بالدليل الشرعي الذي استدل به الشيخ ابن باز من بعدهم، كما كان من الأدلة الشرعية التي استدلوا بها على عدم اجازة الترحم على غير المسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”.
هل يجوز الترحم على غير المسلم مع الدليل
أجمع جمهور اهل العلم والفقهاء على عدم جواز الترحم على غير المسلم، وهذا لعدم استحقاقهم رحمة الله لأنهم ماتوا على كفرهم وطغيانهم، ولم يؤمنوا بالله حال حياتهم، فكيف سيرحمهم الله ويدخلهم الجنة يوم القيامة وهم ما اقبلوا على طاعاته وما التزموا بكل أوامره وكانوا بطغيانهم غارقين، كما أن الله يُخلد الكافر في نار جهنم، كما أن الكافر لن يخرج من نار جهنم جزاءً لما فعل، وكان جمهور اهل العلم الذي أدلى بإجماعه على عدم جواز الترحم على غير المسلم قد تناول حكمه من الأدلة الشرعية التالية:
- قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (6) البينة.
- قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (36) المائدة.
- قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) البقرة.
- قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (162) البقرة.
- قال الله تعالى:{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} (4) الإنسان.
- قال الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (68) التوبة.
- قال الله تعالى:{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (197) آل عمران.
- قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}(91) آل عمران.
- قال الله تعالى:{إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا} (102)
- قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (48) و(116) النساء
- قال الله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (12) آل عمران.
- قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (102) النساء
هل يجوز الترحم على موتى غير المسلمين
على الرغم من عدم جواز الترحم على غير المسلم إلا أن المسلمين يمكنهم الدعاء لهم، ولكن عند التطرق للدعاء لغير المسلم يجب أن نُحيط علماً بأن الدعاء منه ما يجوز أن يدعي به المسلم لغير المسلم، ومنه ما لا يجوز أن يدعي به المسلم لغير المسلم، ومن الدعاء الذي لا يجوز للمسلم الدعاء به لغير المسلم الدعاء بالمغفرة، والرحمة، حيث يعد هذا الدعاء غير جائز بتاتاً، وهذا الأمر كان بإجماع من قبل أهل العلم، حيث يغفر الله كل الذنوب إلا الشرك به لا يغتفر أبداً، كما أن الشخص المشرك بالله مخلد في النار لا يخرج منها، وهنا نطرح بعض الأدعية التي يمكن أن يدعو بها المسلم لغير المسلم:
- يمكن ان يدعو المسلم لغير المسلم بالهداية، بحيث يدعو المسلم لغير المسلم بأن يهديه الله ويرشده لطريق التقوى والصلاح.
- اختلف اهل العلم في بيان جواز من عدم جواز الدعاء بالأمور الدنيوية.
- الدعاء على غير المسلم جائز في حال كانوا معادين للمسلمين والإسلام، حيث يدعو حينها المسلم عليه بالهلاك.
هل يجوز الترحم على موتى المسيحيين
قد يتساءل الكثير من المسلمين حول ما يقوله البعض منهم بأن معاملة الرسول لغير المسلم تعطي تأكيداً على جواز الدعاء له، وهذا الأمر غير صحيح بتاتاً، حيث أن الرسول على رغم رحمته بغير المسلمين وعنايته بهم إلا أنه نهى بشكل صريح عن الترحم لهم، كما نهى المسلمين الاستغفار لغير المسلمين، مهما كانوا قريبين منهم، وهذا يُلخص الحكم الشرعي ويُؤكد على أن الترحم على غير المسلم لا يجوز.
هل يجوز الترحم على غير المسيحي
الترحم على غير المسلم غير جائز بإجماع من اهل العلم، ولكن الدعاء لهم في حياتهم هذا جائز، والجائز منه الدعاء لهم بالهداية أما الدعاء بالاسباب الدنيوية فهو مختلف فيه ولم يعط اهل العلم تصريحاً واضحاً يبين الحكم الشرعي فيما يتعلق بهذا الأمر، أما ما يتعلق بصلاة الجنازة عليهم فهذا الأمر جائز، والدليل على هذا الأمر الحديث التالي:
- أخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: “مرت جنازة، فقام لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله؛ إنها يَهُودِيَّةً! فَقَالَ: إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا”.
هل يجوز الترحم على غير المسلم، كان هذا الأمر بإجماع من الفقهاء جميعهم بأنه غير جائز بتاتاً في اي حال من الأحوال، وما يجوز فعله فيما يتعلق بغير المسلم الدعاء لهم بالهداية حال حياتهم، والصلاة في جنازتهم تطبيقاً لما قام به الرسول صلى لله عليه وسلم، وقد جاء عدم جواز الترحم على غير المسلم تبعاً لكونهم ماتوا على كفرهم وجزاؤهم جهنم ولا يمكن أن تغتفر ذنوبهم لكونها تتلخص في الشرك بالله الذي لا يُغتفر.